إذا كان قدر الله أنك عشت مع أبي عاصف
في السجون ، أو إلتقيته في اعتصام مع الأسرى أو في وقفة تضامنية مع المقطوعة
رواتبهم ، ربما في استقبال أسير محرر ، في تشييع أو بيت حزن وعزاء ، في حفل زفاف
وزواج أو عقد قران وخطبة ، في باحات الأقصى ، في لقاء صحفي حي او ظفرت عيناك
بالتكحل في شوارع وبلدات ومدن ومخيمات الضفة ، فقد وجدت لغة ساحرة فلاحية شعبية
بإمتياز ، تجذبك شخصيته ، الكوفية السمراء أو الحمراء تلف أعلاه تارة ، تلتف حول
عنقه مسرورة في شتاء أو ربيع فتزداد بهاء فوق بهاء ، يتزنر بإبتسامة عريضة ، سلاحه
قلب فتي لا يعرف الجبن ، يفيض بالحنان ، لسانه عسل مصفى ، لحية تنافس لحى الشباب
في الجمال والإمتداد والتهذيب ، قامة كأنها شموخ الصنوبر ، صلابة ومتانة ذراع
فولاذي ، وبسطة في العلم والجسم ، ثياب يتسربل تحتها أسد هصور ، وعيون صقر وفؤاد
يخفق بنبض القرٱن وحب الاوطان .
أي جاذبية لذلك اللسان ؟ أي سحر يملكه
فيمتلك عليك كل شيء ولا تملك إلا الخضوع والإنصات لهيبة الكلمات والفكرة وإبداع العرض
السخي لما تنطلق به زفرات الغضب الوافرات.
إلتقيته في سجن عوفر في العام ٢٠٠٢ ،
سيرته الذاتية سابقة ، شرحت بين يديه ملامح كراس النضالية العامة الناظمة لعلاقات
الفصائل في السجن عكفت على إعدادها مع ٱخرين ، رأيت بين عينيه حكمة مختصرة
(المستمع الجيد أفضل من المتحدث الجيد ) ، أها أها أها ، تعني الإعجاب والإستحسان
ولا يزيد
.
يروح ويجيء في باحات السجن ضاقت أو رحبت
دون تعب ، يتحلق حوله العشاق ويطوفون ، إذا جلس ترى فيه وسع مرج بن عامر ، وإذا
قام كان جبل الجرمق يماثله في تجذره وتدا وفي شموخه أسدا ، وبهاء الحمرة الشقراء
تسبغ على جاذبيته جاذبية .
كم مرة زارته وسائل الإعلام فيخرج إليهم
في ملابس تخضبت بالحناء تراب الأرض وتزينت قبضته بعروق الميرمية الخضراء ، كم مرة
طاف التلال والسهول يخترق الأزقة على صهوة العاديات ضبحا ، يوزع التحايا مبتسمات
في الإرجاء (السلام عليكم يا ابوي ) ، يا ابوي ، كلمة السر التي إطلع على فحواها
كل الناس ، فقد كان الحقيقة والحقيقة كل الحقيقة للجماهير .
ما أسعدك يا خالة ام عاصف به ، حيا
وراحلا مرتحلا ، وما أسعد الصبايا بحنون شغوف مثله ، وما أسعد ثماره عاصف وصالح
وعاصم ومحمد بهذه العترة ، ويا كل الهناء لأم عناد بأخ ودعته مع السلامة يا حنون .
في يوم الوداع الزفاف الكبير ، أشفقت
والحشود على الشيخ محمد أبو طير يناديك مؤبنا مجلجلا يا إبن أم ، لمن لمن تركتنا ،
أيقنت أن الله يحبك ، فقد نثر أبو إسحاق الدكتور إبراهيم عليك الحب لجبل أحد يحبنا
نحبه نحبك ، وما الحب الإ للحبيب الأول.
ألم تر العيون التي أصابها الرمد حبال
المركبات تصطف مزروعة على مد البصر ، والحشود تؤم كوبر لتغني مواويل العاشقين في
عشاءك الأخير حواريين ، كيف للاخضر أن يهدأ يرفرف يقول لمن ٱذاه مشهد راية (قل
موتوا بغيظكم ) ، حتى الكاميرات الطائرة أصابها العجز عن إكتمال الصورة ، راحة أم
عاصف تلوح بها مودعة هزت الإرجاء ، والزغاريد مكللة بالدموع تلتحم مع غزير المطر
المنهمر رحمة ، (وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ) (والبلد الطيب يخرج نباته
بإذن ربه ، والذي خبث لا يخرج إلا نكدا).